وتـمـنى نـظـرة يـشـفـي بـهـــــــــــــــــا عـلـة الـشـوق فـكـانـت مـهـلـكــــا

 
 
 

روائع قيس بن الخطيم فارس الأوس الثائر

 

شاعرنا اليوم شاعر فارس  ثائر بطل بنى حياته على البطولة ، وعاش معانقاً لها منذ أن عانق سنوات الفتوة حتى قتله أعداؤه الذين عانوا من بطولته الويلات،بطل يحمل كامل الصورة النمطية للبطل في خيالات الشباب والفتيات فهو جسيم وسيم قوي البنية شجاع القلب، وفوق كل ذلك فهو ذو أخلاق رائعة وحكمة فائقة وقلب شاعري شفاف اجتمعت إليه ثقافة شعرية عالية فأثمر عدداً من روائع الشعر العربي ، بطلنا الشاعر إخوتي هو قيس بن الخَطـِيم بن عدي بن عمرو بن سواد بن ظفر من بني الأوس بن حارثة إحدى أهم قبائل يثرب(المدينة المنورة)، عرف بأنه كان أشجع شجعان قومه وأحد قادتهم في نهاية حرب بعاث التي مالت فيها الكفة في النهاية لصالح الأوس ، وكان قيس بن الخطيم قد أبلى بلاء حسناً في حرب بعاث وقتل عدداً غير قليل من فرسان وأبطال الخزرج المعدودين ماجعل الخزرج لاينسون نكايته فيهم ، ولم يهدأ لهم بال حتى اغتالوه في نهاية حرب بعاث. وطبعاً على عادة فرسان العرب وأبطالهم كان قيس على خلق رائع وقد كان يفتخر بأخلاقه في شعره، كما كان قيس جميلاً وقال عنه بعض من وصفوه أنه مارأته فتاة إلا سلب عقلها.

 وفوق بطولة قيس المشهورة فقد كان شاعراً لايشق له غبار وكان بينه وبين حسان بن ثابت  شاعر الخزرج منافسات ومساجلات شعرية كان قوم الشاعرين يعلمونها غلمانهم ويجعلونهم يحفظونها لأن فيها مآثرهم وبطولاتهم.

 

 قصة انتقامه لمقتل أبيه وجده:

  عاش قيس يتيماً لايعرف سبب موت أبيه وكانت أمه تحاول أن تكتم عنه خبر مقتل أبيه خوفاً منها أن يُقتل وهو يسعى في ثأر أبيه كما قُتل أبوه وهو يسعى للثأر لجده، وكان قاتل جد قيس من بني عمرو بن ربيعة، وقاتل الخطيم من بني عبد القيس من بني بكر الذين يسكنون هجر، ولمن لايعرف هجر فهي الأحساء التي تبعد عن المدينة المنورة مسافة تقارب الألف وخمسمئة كيلومتر وبينهما صحاري وجبال وأهوال ، وإذن فأم قيس حتى لو كانت تثق في قوة ولدها وبطولته فهي تخاف أن يموت في غمار هذه الأهوال والصحاري. ويقال أن أم قيس لما خشيت أن يخرج ابنها للثأر من قتلة أبيه وجده عمدت إلى كومة تراب عند باب دارهم ، فوضعت عليها أحجاراً، وجعلت تقول لابنها : هذا قبر أبيك وجدِّك. فكان قيس لايشك في كلام أمه. ونشأ قيس قوي البنية شديد الساعدين، فكان يصارع فتيان قومه ويغلبهم إلى أن غضب منه أحدهم فقال له: والله لو جعلت شِدَّة ساعديك على قتلة أبيك وجدِّك لكان خيراً لك من أن تُخرجها علينا. فقال قيس : ومن قتل أبي وجدي؟ فقال الفتى: سل أمك تخبرك.

فذهب قيس من فوره إلى أمه غاضباً  وقال لها: كيف مات أبي وجدي؟ فقالت : ماتا كما يموت الناس. فوضع سيفه على صدره وقال لها: لئن لم تخبرينني من قتلهما لأقتلن نفسي . فقالت: أمَّا جدُّك فقتله رجل من بني عمرو بن عامر بن ربيعة يقال له " مالك " ، وأمَّا أبوك فقتله رجل من عبد القيس ممن يسكن هجر. فقال : والله لاأرتاح ولاترين وجهي حتى أقتل قاتلي أبي وجدي. فقالت : يابني مادام الأمر على ذلك فإن مالكاً قاتل جدك من قوم خداش بن زهير ، ولأبيك عند خداش نعمة ٌ هو لها شاكر، فأته فاستشره في أمرك، واستعنه يُعِنك .

 فخرج قيس من ساعته وأخذ جمله وحمل عليه حملين من التمر ، ثم نادى في قومه وقال: من يكفيني أمر أمي العجوز ؟ فإن مِتُّ أنفق عليها من هذا الحائط(البستان) حتى تموت ثم هو له، وإن عشت فمالي عائدٌ إليَّ ، وله ماشاء أن يأكل من تمره.  فقال رجل من قوم قيس : أنا أكفيك ، فأعطاه البستان. ثم خرج يسأل عن خداش بن زهير حتى دُلَّ عليه في وادٍ قرب مكة فذهب قيس إلى خيمة خداش فلم يجده، فنزل تحت شجره ينزل تحتها أضياف خداش ، ثم نادى امرأة خداش وقال لها: هل من طعام؟ فقالت: والله ماعندنا إلا تمر . فقال: أخرجيه لي.

 فأرسلت إليه إناءً فيه تمرة فأخذ منه تمر وقسمها نصفين فأكل النصف وأرجع النصف الباقي في الإناء ، ثم أرجعه لها، وذهب لبعض حاجاته.

 ورجع خداش ، فأخبرته امرأته بأمر خداش وعن مافعله بالتمرة ، فقال لها : هذا رجل له عندنا حرمة وذمة ويريد أن نعينه، وأقبل قيس راجعاً ، فلما رآه خداش ورأى قدميه قال لامرأته: أهذا ضيفنا؟ قالت: نعم . وكان خداش من ذوي الفراسة فقال: كأن قدمه قدم الخطيم والله إن لم أكن مخطئاً فهو ابنه. ثم أقبل قيس وقرع طنب الخيمة بسنان رمحه ، واستأذن، فدخل إلى خداش وعرَّف بنفسه وأخبره بأمره وعزمه على الثأر وأنه يريد من يعينه على ذلك. فرحب به خداش ، وذكر نعمة أبيه عنده، وقال: مازلت أتوقع هذا الأمر منك منذ حين ، فأمًّا قاتل جدِّك فهو من قومي ، وأنا أعينك عليه ، فإذا اجتمعنا في نادينا(مجلسنا) فسأجلس إلى جنبه وأتحدث إليه ، فإذا ضربت فخذه فقم إليه واقتله. وبالفعل حصل ذلك ولما قتل قيس قاتل جده قام عليه القوم ليقتلونه فمنعهم خداش وقال : دعوه فوالله ماقتل إلا قاتل جده.

 ثم دعا خداش بجمل من إبله فركبه ، وانطلق مع قيس ليالي وأياماً حتى إذا اقتربوا من هجر قال خداش لقيس : اذهب فاسأل عن قاتل أبيك، فإذا دُللت عليه اذهب إليه وقل له: "إن لصاً من قومك عارضني فأخذ متاعي ، فسألت من سيد قومه فدلُّوني عليك ، فانطلق معي حتى ترجع لي متاعي". فإن اتبعك وحده فستنال ماتريد منه ، وإن أخرج معه غيره فاضحك وقل له:"إن الشريف عندنا إذا دعي إلى اللص من قومه تكفيه هيبته وسوطه عن سيفه وقومه فإذا رآه اللص أعطاه كل شيء هيبة له". فإن أمر قومه بالرجوع فقد تهيأت الفرصة ، وإن أبى إلا أن يمضوا معه ، فأتني بهم فإني أرجو أن نقتله ومن معه.

  ونزل خداش تحت ظل شجرة ، وفعل قيس ماأشار عليه خداش به، وبالفعل جاء الرجل معه وحده واستطاع قيس أن يقتله ، وعندها قال له خداش: إنا إن مررنا الآن طلبنا قومه ، ولكن ادخل مكاناً قريباً من مقتله فإن قومه لايظنون أنك قتلته وأقمت قريباً منه. وبالفعل خرج القوم فوجدوا سيدهم قتيلاً فخرجوا يطلبون قيساً في كل وجه فلم يجدوه فعادوا يائسين وتركوا البحث فعاد قيس وخداش بعدها إلى قومها سالمين.  وفي تلك القصة قال قيس بن الخطيم إحدى أشهر قصائده المعروفة والتي كانت تقريباً أول مااشتهر من قصائده ، وفيها يقول:

 

 

 

تَذَكَّـرَ لَيلـى حُسنَهـا   وَصَفاءَهـا        وَبانَت فَأَمسى مـا يَنـالُ    لِقاءَهـا
وَمِثلِكِ قَد أَصبَيـتُ لَيسَـت  بِكَنَّـةٍ        وَلا جارَةٍ أَفضَـت إِلَـيَّ 
  حَياءَهـا
إِذا ما اِصطَحَبتُ أَربَعاً خَطَّ 
  مِئزَري        وَأَتبَعتُ دَلوي في السَخاءِ رِشاءَهـا
ثَأَرتُ عَدِيّاً وَالخَطيـمَ فَلَـم 
  أُضِـع        وِلايَـةَ أَشيـاءٍ جُعِلـتُ    إزاءَهـا
ضَرَبتُ بِذي الزِرَّينِ رِبقَـةَ   مالِـكٍ        فَأُبتُ بِنَفسٍ قَـد أَصَبـتُ 
  شِفاءَهـا
وَسامَحَني فيها اِبنُ عَمروِ بنِ 
  عامِرٍ        خِـداشٌ فَـأَدّى نِعمَـةً   وَأَفـاءَهـا
طَعَنتُ اِبنَ عَبدِ القَيسِ طَعنَةَ 
  ثائِـرٍ        لَها نَفَذٌ لَـولا الشُعـاعُ    أَضاءَهـا
مَلَكتُ بِها كَفّـي فَأَنهَـرتُ  
  فَتقَهـا        يَرى قائِماً مِن خَلفِها مـا   وَراءَهـا
يَهـونُ عَلَـيَّ أَن تَـرُدَّ    جِراحُـهُ        عُيونَ الأَواسي إِذ حَمِدتُ  
  بَلاءَهـا
وَكُنتُ اِمرِأً لا أَسمَعُ الدَهـرَ 
  سُبَّـةً        أُسَبُّ بِهـا إِلاَّ كَشَفـتُ    غِطاءَهـا
وَإِنِّيَ في الحَربِ الضَروسِ   مُوَكَّـلٌ        بِإِقدامِ نَفـسٍ مـا أُريـدُ  
  بَقاءَهـا
إِذا سَقِمَت نَفسي إِلـى ذي 
  عَـداوَةٍ        فَإِنّي بِنَصلِ السَيفِ بـاغٍ   دَواءَهـا
مَتى يَأتِ هَذا المَوتُ لا تَبقَ  
  حاجَةٌ        لِنَفسِيَ إِلاَّ قَـد قَضَيـتُ    قَضاءَهـا
وَكانَت شَجاً في الحَلقِ ما لَم أَبُؤ بِها        فَأُبتُ بِنَفسٍ قَـد أُصِبـتُ 
  دَواءَهـا
وَقَد جَرَّبَت مِنّي لَدى كُـلِّ  
  مَأقِـطٍ        دُحَيٌّ إِذا ما الحَربُ أَلقَت  رِداءَهـا
وَإِنّا إِذا ما مُمتَرو الحَـربِ 
  بَلَّحـوا        نُقيـمُ بِأَسبـادِ العَريـنِ   لِـواءَهـا
وَنُلقِحُهـا مَبـسـورَةً ضَرزَنِـيَّـةً        بِأَسيافِنـا حَتّـى نُـذِلُّ  
  إبـاءَهـا
وَإِنّا مَنَعنـا فـي بُعـاثٍ  نِساءَنـا        وَما مَنَعَت   مِلمُخزِياتِ   نِساءَهـا

 

الصفحة الرئيسية                          صفحة البداية                            الموسوعة الشعرية