وتـمـنى نـظـرة يـشـفـي بـهـــــــــــــــــا عـلـة الـشـوق فـكـانـت مـهـلـكــــا

 
 
 
قيس بن الملوح

من منّا لا يعرف مجنون ليلى قيس بن الملوح العامري لكن القليل منا يعرف قصة حبه لليلى وعلى اختلاف الرواة في قصة حبه لكن المشهور أنه كان من فرسان بني عامر ومن شبانها المحبوبين وكان أديباً شاعراً محباً للشعر وطبعاً كان يتعرض للفتيات على عادة شبان العرب لكن لم تشغل فتاة قلبه كما شغلته ليلى وقيل من قصة حبه لليلى أنه تعرض لبعض فتيات بني عامر وفيهن ليلى فأقسم أن يذبح لهم ويطعمهم فقبلن وجلسن يتحدثن أمامه فسمع حديث ليلى وأعجبه حديثها  ومن طريف القول أن ليلى لم تكن أجملهم وجهاً...نعم كانت جميلة لكنها لم تكن الأجمل ! وكان قد سمع أنها أديبة عارفة بالشعر متذوقة له وكان عدد من شباب قبيلته يعرضون شعرهم عليها فلما سمع كلامها مال قلبه إليها وأراد أن يعرض شعره عليها فقيل أنه جلس يشوي لهم اللحم ويحادثهم فلما انطلقت في الحديث وأعجبه كلامها تخلل حبها شغاف قلبه فقيل أنه حين كان يشوي اللحم كان يسترق النظر إليها فينسى نفسه وتتعرض يده للنار فهذا أول ماعرف من حبه لها ، وإن كان بعض الرواة يقول أنها أحبها منذ كانوا صغاراً واستدلوا على ذلك بقوله:

 

تعلقت ليلى وهي غِرٌ صغيرةٌ       ولم يبدُ للأترابِ من ثديها حجمُ
صبيان نرعى البُهمَ يا ليت أننا      إلى اليوم لم نكبر ولم يكبر البهمُ

 

ولكن معروف أن الحب بمعناه الحقيقي لايكون بين الصغار كما نعرف مبالغات الشعراء، والذي يهمنا أن ماقيل أنه أحبها منذ جلس معها تلك الجلسة ثم أخذ يتعرض لها بين الفينة والفينة ويبادلها الحديث ويعرض عليها شعره ثم إن تعلقه بليلى زاد فجادت قريحته ببعض الأشعار فيها التي ماأن سمعها والدها حتى حجبها عنه وأقسم أن لايزوجها به على عادة العرب من عدم تزويجهم لبناتهم لمن يشبب بهن فضاقت عليه الأرض بما رحبت وأبى إلا أن يتزوجها وقيل أن أباه أراد أن يزوجه بها ولكن طبعا  حصل كما يتوقع الجميع ملاحاة بين أبيها الذي يرفض زواجها ممن يشبب بها وأبوه الذي يرى أن عائلته أعلى منزلة من عائلة ليلى. ثم إن المجنون بعد أن مُنع من ليلى مرض فحاول أهله أن يُلهوه عنها بتزويجه من غيرها وعرضوا له وجمَّلوا له من بنات قبيلته الكثير ولكنه لم ير فيهن مافي ليلى من ملاحة القول وتذوق الشعر أوكما يقال بلغة عصرنا " الثقافة " لم ير فيهم ثقافة ليلى فرفضهم .ثم إنه حاول لقياها بكل الطرق فلم يستطع ولم يزد إلحاحه في لقياها أهلها إلا ضغطاً عليها وإيذاءً لها، فلما علم ذلك انتهى عنها حفظاً لها من إيذاء أهلها . ولكنه بعد أن قطع أمله منها هام في الصحراء ثم أدركه أهله وربطوه في عمود الخيمة فأقسم إن لم يتركوه أن يعض لسانه حتى يقطعه ، فأطلقه أهله خوفاً على حياته ثم إنهم وكلوا به أحد إخوته الذين يأنس بهم ليوصل إليه الطعام ويروي عنه مايقول من شعر حيث أنه اشتهر بينهم من قبل أن يعرف ليلى بالشعر ومن بعد ماعرفها جاد شعره وصار الرواة يتسقطونه ، وكان الرواة إذا سمعوا بأبيات جيدة لشاعر حاولوا أن يتعرفوا على ماقال ويذيعونه بين العرب وفي هذا شهرة لقومه، فكان قومه يهتمون بشعره ويروونه. والغريب أن بعضا من نقاد الأدب ينكر وجود المجنون وعلى العكس من ذلك قال البعض أن من فتنوا بليلى هذه كثير منهم قيس وغيره ولذلك كما قالوا فإن عددا من الرواة اختلفوا في اسمه . وأياً كان فالراجح أن المجنون هذا كان موجوداً وإلا ماهذه الأشعار العظيمة التي نسمعها والتي لابد لها من قائل . وليس عجيباً ألا يعرف بعض الرواة شاعرنا فهو لم يكن من مرتادي أسواق العرب ومنتدياتهم ولم يكن ممن يتعرض لمدح الولاة والشيوخ أو يفتخر بقبيلته...فكل مااشتهر به هو غزله العذري بليلى وطبعاً فإن رواة عصره -والذي قيل أنه هو عصر صدر الإسلام- لم يكن أكثرهم يهتم كثيراً برواية شعر الغزل إلا حين يكون كمطلع للقصيدة وليس كغرض أساسي لها من بدايتها إلى نهايتها. ومايهمنا هو أن قصيدة ليلى هذه التي نحن بصددها لم ينشدها المجنون مرة واحدة بل قيل أنه كان ينشد الأبيات ثم يضيف إليها البيت والبيتين، ومع جودة هذه القصيدة قيل أن الرواة كانوا إذا سمعوا أبياتاً جيدة في الحب على وزن وقافية هذه القصيدة ولم يعرفوا قائلها كانوا يضيفونها إليها. وقد جعل عدد من النقاد هذه القصيدة ملكة قصائد الحب العذري وجعل النقاد ومحبي الأدب عامة قائلها ملك العشاق . وحق له ذلك فهو الذي أنشد أجمل القصائد في الحب العذري ثم كان أحد من ذهب العشق بعقلهم ثم بروحهم فقد قيل أن شاعرنا المجنون ظل هائماً في الصحراء حتى وجد ميتاً ونقل إلى أهله غفر الله له ذنبه وأسكنه فسيح جناته بعفوه ومغفرته عز وجل . 

تذكرت ليلى والسنين الخواليا

وأيام لا نخشى على اللهو ناهيا

ويوم كَظِلِّ الرمح قصَّرتُ ظله

بليلى فلهاني وما كنت لاهيا

بثمدين لاحت نار ليلى وصُحبتي

بذات الغضى تُزْجي المَطِيَّ النَّواجِيا

فقال بصير القوم لَمْحَةُ كوكبٍ

بدا في سَوادِ الليل فرداً يمانيا

فقلت له بل نار ليلى تَوَقَّدَت

بعُليا تسامى ضوؤها فبدا لِيا

فليت ركاب القوم لم تقطع الغضى

وليت الغضى ماشى الركاب لياليا

فيالَيلُ كم من حاجةٍ لي مُهِمَّةٍ

إذا جئتكم بالليل لم أدرِ ماهيا

خليليَّ إن لا تبكياني ألتمس

خليلاً إذا أنزفت دمعي بكى ليا

وقد يجمع الله الشتيتين بعدما

يظنان كل الظن أن لا تلاقيا

لحى الله أقواماً يقولون إنِّنا

وجدنا طُوال الدَّهر للحُبِّ شافيا

ولم يُنسني ليلى افتقارٌ ولا غنى

ولا توبةٌ حتى احتضنت السواريا

ولا نسوةٌ صبغن كيداء جلعداً

لتشبه ليلى ثم عَرَّضْنَها لِيا

خليليَّ لا والله لا أملك الَّذي

قضى اللهُ في ليلى ولا ما قضى ليا

قضاها لغيري وابتلاني بِحُبِّها

فهلاِِ بشئٍ غيرِ ليلى ابتلانيا

وخبرتماني أن تيماء منزلاً

لليلى إذا ماالصيف ألقى المراسيا

فهذي شهور الصيف عنا قد انقضت

فما للنوى ترمي بليلى المراميا

فلو أن واشٍ باليمامة داره

وداري بأعلى حضرموت أهتدى ليا

وماذا لهم لا أَحسن الله حالهم

من الحظِّ في تصريم ليلى حباليا

وقد كنت أَعلو حب ليلى فلم يزل

بي النقض والإبرام حتى علانيا

فيا رَبِّ سَوِّ الحب بيني وبينها

يكون كفافاً لا عليا ولا ليا

فما طلع النجم الذي يُهتدَى به

ولا الصبح إلا هَيَّجا ذكرها ليا

ولا سِرتُ مِيلاً من دمشق ولا بدا

سُهَيلٌ لأهل الشام إلا بدا ليا

ولا سُمِّيَت عندي لها من سَمِيَّةٍ

من الناس إلا بلَّ دمعي ردائيا

ولا هَبَّتِ الرِّيح الجنوب لأرضها

من الليل إلا بِتُّ للرِّيحِ حانيا

فإِن تمنعوا ليلى وتحموا بلادها

عَلَيَّ فلن تحمواعَلَيَّ القوافيا

فأًشهد عند الله أنِّي أُحبهاُ

فهذا لها عندي فما عندها لِيا

قضى الله بالمعروف منها لغيرنا

وبالشوق مني والغرامِ قضى ليا

وإن الذي أَمَّلتُ يأمَّ مالكٍ

أشاب فُويدي واستهان فُؤاديا

أعُدُّ الليالي ليلةً بعد ليلةٍ

وقد عشت دهراً لا أعُدُّ اللياليا

وأخرج من بين البيوت لعلني

أُحدث عنك النفس بالليل خاليا

أراني إذا صليت يَمَّمْتُ نحوها

بوجهي وإن كان المصلي ورائيا

ومابي إشراكٌ ولكن حبها

وعِظمَ الجَوى أعيا الطبيب المُداويا

أُحِبُّ من الأسماء ما وافق اسمها

أو أشبهه أو كان منه مُدانيا

خليليَّ ليلى أكبر الحاجِ والمُنى

فمن لي بليلى أو فمن ذا لها بيا

لعمري لقد أبكيتني ياحمامة

العقيق وأبكيتِ العيون البواكيا

خليليَّ ما أرجو من العيش بعدما

أرى حاجتي تُشْرى ولا تُشْتَرَى لِيا

فيا رَبِّ إذ صَيَّرتَ ليلى هي المُنى

فزِنِّي بعينيها كما زينتها ليا

 

 

و إلا فبغضها إليَّ وأهلها

فإني بليلى قد لقيتُ الدواهيا

فلم أرى مثلينا خليلَيْ صَبابةً

أشدُّ على رغم الأعادي تصافيا

خليليَّ إن ضنوا بليلى فَقَرِّبا

لِيَ النَّعش والأكفان واستغفرا ليا

خليلان لا نرجوا لقاءً ولا نرى

خليلين لا يرجوان التلاقيا

 
 

الصفحة الرئيسية                            صفحة البداية                            الموسوعة الشعرية