وتـمـنى نـظـرة يـشـفـي بـهـــــــــــــــــا عـلـة الـشـوق فـكـانـت مـهـلـكــــا

 
 


 

 

روائع الشعر الجاهلي

  

في هذه السلسلة إن شاء الله نعرض عليكم مختارات من أفضل أشعار الجاهليين بغض النظر عن شهرتهم فالمقياس عندنا هنا هو جودة القصيدة وروعة المعنى الذي تطرق إليه الشاعر وربما ذكرنا لكم نبذة عن الشاعر أو مناسبة الأبيات إذا احتاج الأمر إلى ذلك ونبدأ مختاراتنا  بشعر من سماهم نقاد الأدب بشعراء المعلقات.

 

   شعراء  المعلقات اختلف الرواة في المعلقات سواء في سبب تسميتها بهذا الاسم أو عددها .

   

فبالنسبة لسبب تسميتها بهذا الاسم قيل أنها سميت بهذا الاسم لنفاستها فالعِلق عند العرب هو الشيء النفيس والناس ككل لاتعلق في بيوتها أو على رقابها إلا الشيء النفيس عندها ، وقيل بل سميت بذلك لأن قريش التي كان العرب يرجعون إليها في نقد الشعر كانت تعلق هذه القصائد في الكعبة لنفاستها عندها وهذا رأي ضعيف لأننا لم نطلع في السيرة النبوية على أي إشارة للمعلقات ولو على الأقل في قصة تكسير الأصنام فلم يذكر أي شيء حول نزعها أو إبقائها ، وقيل بل سميت المعلقات بهذا الاسم لأن أحد أمراء المناذرة أمر بأن تجمع له أنفس قصائد العرب وتعلق في قصره .

أما عددها فقد اختلفوا فيه فمن النقاد من قال  أنا سبعة وهناك من قال أنها ثمانية وهناك من أوصلها إلى عشرة وممن عدوها سبعة هناك بعض النقاد يذكرمعلقتين غير مايذكر الآخرين لكن عموما الذين عدوا في شعراء المعلقات على اختلاف الروايات بلغ عددهم أحد عشر شاعراً على رأسهم ثلاثة هم الصفوة عند الجاهليين وهم : امرؤ القيس وزهير بن أبي سلمى والنابغة الذبياني . وهذا الأخير اختلف الرواة في كونه من شعراء المعلقات على الرغم من اتفاقهم أنه من الثلاثة الأوائل عند العرب بين شعراء الجاهلية ومن ذكروا أنه من شعراء المعلقات اختلفوا بين ثلاث من قصائده أيها هي المعلقة.

 وشعراء المعلقات الذين اتفق عليهم الرواة خمسة هم: امرؤ القيس الكِندي ، وزهير بن أبي سُلمى المزني ، وطرفة بن العبد البكري ، ولبيد بن ربيعة العامري ، وعمرو بن كلثوم التغلبي . ويكمل البعض السبعة بالنابغة الذبياني ، والأعشى البكري. وهناك من يخرج الأخيرين ويدخل بدلاً منهما عنترة بن شداد العبسي ، والحارث بن حلزة اليشكري. وهناك من يقول بل كل هؤلاء التسعة هم من شعراء المعلقات ويضيف إليهم شاعراً عاشراً هو عبيد بن الأبرص الأسدي . وهناك من قال إن عبيد لايستحق أن يكون من ضمن العشرة ومعلقته مهزوزة ولاتستحق أن تعد في المعلقات وقالوا إن لعلقمة بن عبدة التميمي قصائد اشتهر لدى الرواة أن قريشاً كانت ترى أنها من أروع القصائد وهو الذي يستحق أن يكون عاشر شعراء المعلقات وأنا والله مع هذا الرأي.

 

روائع مظلومة:

 -ولكن من الظلم الفاحش للشعراء الجاهليين أن نقول أن هذه القصائد العشر هي أروع الشعر الجاهلي فهناك قصائد لا يختلف كثير من النقاد أنها أروع من بعض هذه القصائد ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر:

 

- رائعة علقمة بن عبدة التميمي التي كانت تذكر إلى جانب المعلقات ولكن لاندري لماذا لم يعدونها في المعلقات ومنها قوله:

 

طَحَا بكَ قَلبٌ في الحِسان طروبُ

بُعيْد الشَّبابِ عصرَ حانَ مشيبُ

تُكلِّفُني ليلَى وَقد شَطَّ ولْيُها

وعادتْ عوادٍ بينَنا وخُطُوبُ

مُنعَّمة ٌ لا يُسْتطاعُ كلامُها

على بابِها من أن تُزارَ رقيبُ

إذا غاب عنها البعْلُ لم تُفْشِ سِرَّهُ

وتُرْضي إيابَ البَعْل حينَ يَؤُوبُ

فلا تَعْدِلي بَيْني وبينَ مُغَمَّرٍ

سقَتكِ رَوايا المُزن حيث تَصوبُ

فإنْ تَسألوني بالنِّساء فإنَّني

بصيرٌ بأدواءِ النِّساء طبيبُ

إذا شاب رأسُ المَرْءِ أو قَلَّ مالهُ

فليس له من وُدِّهِنَّ نصيبُ

يُرِدْنَ ثَراءَ المالِ حيثُ عَلِمْنَهُ

وشرْخُ الشَّباب عنْدَهُنَّ عجيبُ

 

 

 

إلى الحارث الوهَّاب أعلمتُ ناقتي

لِكلكِلها والقُصْريْين وجيبُ

لتِبُلغني دار امرئٍ كان نائياً

فقد قرَّبتني من نداكَ قَروبُ

إلَيكَ ـ أبيت اللَّعْنَ ـ كان وجيفُها

بِمُشتبِهاتٍ هَوْلُهُنَّ مَهيبُ

تتَّبعُ أفْياءَ الظِّلالِ عَشيَّة ً

على طُرُقٍ كأنَّهُن سُبُوبُ

هداني إليك الفرقدانِ ولا حِبٌ

لهُ فوقَ أصواءِ المتانِ علوبُ

 

وأنتَ امرؤٌ أفضَت إليك أمانتي

وقبلكَ ربَّتني فَضِعتُ رُبوبُ

فواللهِ لولا فارسُ الجونِ منهمُ

لآبوا خزايا والإيابُ حَبيبُ

تُقدمُه حتَّى تغيبَ حُجُوله

وأنت لبَيض الدَّارعين ضروبُ

مُظاهرُ سِربَالي حَديد عليهِما

عَقيلا سُيوفٍ مِخذَمٌ وَرسوبُ

 

 

 

تجودُ بنفسٍ، لا يُجادُ بمثلها

وأنتَ بها يوْم اللّقاء تطيبُ

وفي كُلِّ حيٍ قد خَبطت بنعمة

فحُقَّ لِشأسٍ من نَداكَ ذَنوبُ

وما مِثْلُهُ في النَّاس إلا قبيلُهُ

مُساوٍ ، ولا دانٍ لَذاكَ قَريبُ

 

-ورائعة المثقب العبدي النونية ، والتي منها قوله:

 

أفاطمُ! قبلَ بيتكِ متِّعينى

ومنعكِ ما سألتكِ أنْ تبينى

فَلا تَعِدي مَواعِدَ كاذِباتٍ

تمر بها رياحُ الصيفِ دوني

فإنِّى لوْ تخالفني شمالى

خلافكِ ما وصلتُ بها يميني

إذاً لَقَطَعتُها ولقُلتُ: بِيني

كذلكَ أجتوى منْ يجتويني

لمنْ ظعنُ تطلَّعُ منْ ضبيبٍ

خَوايَة َ فَرْجِ مِقْلاتٍ دَهينِ

يشَّبهنَ السَّفينَ وهنَّ بختُ

عُراضاتُ الأباهِرِ والشُّؤونِ

وهُنَّ على الرَّجائزِ واكِناتٌ

قَواتِلُ كُلِّ أَشجَعَ مُسْتكينِ

أَرَينَ مَحاسِناً وكنَنَّ أُخرى

من الأجيادِ والبَشَرِ المَصونِ

 

فسلِّ الهمَّ بذاتِ لوثٍ

عُذافِرة ٍ كمِطرَقَة ٍ القُيونِ

إذا ما قمتُ أرحلها بليلٍ

تأوَّهُ آهة َ الرَّجلِ الحزينِ

تقولُ إذا دَرأْتُ لها وَضِيني

أهذا دينهُ أبداً ودينى ؟

أكلَّ الدَّهرِ حلٌّ وارتحالٌ

أما يبقى على َّ وما يقينى !

 

إلى عمروٍ، ومنْ عمروٍ أتتني

أخى النَّجداتِ والحلمِ الرَّصينِ

فإمَّا أنْ تكونَ أخى بحقِّ

فأَعرِفَ منكَ غَثِّي من سَميني

وإلاَّ فاطَّرحني واتخذنى

عَدُوّاً أَتَّقيكَ وتَتَّقيني

وما أَدري إذا يَمَّمتُ وَجهاً

أُريدُ الخَيرَ أَيُّهُما يَليني

أَأَلخَيرُ الذي أنا أَبْتَغيهِ

أَمِ الشَّرُّ الذي هو يَبْتَغيني

 

-وقصيدة بائية لطفيل بن عوف الغنوي منها قوله:

 

بالعُفْرِ دَارٌ من جَمِيلَة َ هَيَّجَتْ

سوالفَ حبَّ في فؤادكَ منصبِ

وَ كنتَ إذا بانتْ بها غربة ُ النوى

شَدِيدَ القُوِى ، لَمْ تَدْرِ مَا قَوْلُ مِشْغَبِ

كريمة ُ حرَّ الوجهِ لم تدعُ هالكاً

من القَوْمِ هُلِكاً في غَدٍ غَيْرَ مُعْقِبِ

أسِيلَة ُ مَجْرَى الدَّمْعِ ، خُمْصَانَة ُ الحَشَا

يرودُ الثنايا ، ذاتُ خلقٍ مشرعب

تَرَى العَيْنُ مَا تَهْوَى ، وفيها زِيَادَة ٌ

من اليُمْنِ ، إذ تَبْدو ، وَمَلهَى ً لَملعَب

 

-وقصيدة بائية لقيس بن الخطيم الأوسي، ومنها قوله:

 

وكُنْتُ امْرءاً لا أبْعثُ الحَرْبَ ظالماً

فلمّا أبَوْا أشْعَلْتُها كُلَّ جانبِ

أربت بدفع الحرب حتى رأيتها

عن الدفع لا تزداد غير تقارب

فإذْ لم يَكُنْ عَنْ غاية ِ الموْتِ مَدْفعٌ

فأهْلاً بها إذْ لم تَزَلْ في المَرَاحبِ

فلما رأيت الحرب حرباً تجردت

لبست مع البردين ثوب المحارب

 

أُجالِدُهُمْ يَوْمَ الحَدِيقة ِ حاسِراً

كأنَّ يدي بالسّيفِ مخراقُ لاعبِ

 

-وقصيدة دالية لدريد بن الصمة القشيري، ومنها قوله:

 

وَكُـلَّ تَبـاريـحِ المُحِـبِّ لَقيتَـهُ     سِوى أَنَّنِي لَم أَلقَ حَتفي بِمَرصَـدِ

 

وَأَنِّيَ لَم أَهلِك خُفاتاً وَلَـم أَمُـت      خُفاتاً وَكُـلاًّ ظَنَّـهُ بِـيَ عُـوَّدي

 

 

أَعاذِلَ إِنَّ الـرُزءَ فِي مِثـلِ خالِـدٍ    وَلا رُزءَ فيما أَهلَكَ المَرءُ عَـن يَـدِ

 

 

وَلَمّا رَأَيتُ الخَيـلَ قُبـلاً كَأَنَّهـا      جَرادٌ يُباري وِجهَةَ الريـحِ مُغتَـدي

 

أَمَرتُهُمُ أَمـري بِمُنعَـرَجِ اللِّـوى     فَلَم يَستَبينوا النُصحَ إِلاَّضُحَى الغَـدِ

 

 

دَعَانِي أَخِي وَالخَيـلُ بَينِـي وَبَينَـهُ      فَلَمّا دَعَانِي لَـمْ يَجِدنِـي بِقُعـدَدِ

 

 

-ولامية العرب المشهورة للشنفرى الأزدي، ومنها قوله: 

 

أقيموا بني أمي ، صدورَ مَطِيكم

فإني ، إلى قومٍ سِواكم لأميلُ !

وفي الأرض مَنْأىً ، للكريم ، عن الأذى

وفيها ، لمن خاف القِلى ، مُتعزَّلُ

لَعَمْرُكَ ، ما بالأرض ضيقٌ على أمرئٍ

سَرَى راغباً أو راهباً ، وهو يعقلُ

 

 

 

أُدِيمُ مِطالَ الجوعِ حتى أُمِيتهُ ،

وأضربُ عنه الذِّكرَ صفحاً ، فأذهَلُ

وأستفُّ تُرب الأرضِ كي لا يرى لهُ

عَليَّ ، من الطَّوْلِ ، امرُؤ مُتطوِّلُ

 

-وقصيدة حسان اللامية التي قالها في جاهليته ومدح بها الغساسنة، ومنها قوله:

 

لله دَرُّ عِصَابَة ٍ نادَمْتُهُمْ،

يوْماً بجِلّقَ في الزّمانِ الأوَّلِ

يمشونَ في الحُللِ المُضاعَفِ نسجُها،

مشيَ الجمالِ إلى الجمالِ البزلِ

الضّارِبُون الكَبْش يبرُقُ بيْضُهُ،

ضَرْباً يَطِيحُ لَهُ بَنانُ المَفْصِلِ

والخالِطُونَ فَقِيرَهمْ بِغنيّهِمْ،

والمُنْعِمُونَ على الضّعيفِ المُرْمِلِ

أوْلادُ جَفْنَة َ حوْلَ قبرِ أبِيهِمُ،

قبْرِ ابْنِ مارِيَة َ الكريمِ، المُفضِلِ

يُغشَوْنَ، حتى ما تهِرُّ كلابُهُمْ،

لا يسألونَ عنِ السوادِ المقبلِ

يسقونَ منْ وردَ البريصَ عليهمِ

بَرَدَى يُصَفَّقُ بالرّحِيقِ السَّلسَلِ

بِيضُ الوُجُوهِ، كريمَة ٌ أحسابُهُمْ،

شُمُّ الأنوفِ، من الطّرَازِ الأوّلِ

 

 

 

كل هذه القصائد هي عند كثير من النقاد  أفضل من كل ناحية من معلقات عمرو بن كلثوم وعبيد بن الأبرص والحارث بن حلزة .        ولكننا لانعلم على ماذا كانت تقيس العرب جودة القصيدة؟ ولاندري إن كانت أمور مثل شهرة قبيلة الشاعر وقوتها وكثرة عددها تؤثر في أهمية القصيدة عند العرب؟ ولعل لذلك وجها من الصحة خصوصا حينما نرى قبيلة ضخمة مثل قبيلة بكر يتردد أمامنا أسماء لثلاثة من شعرائها في شعراء المعلقات وهم طرفة بن العبد والحارث بن حلزة والأعشى ميمون بن قيس...ولكن يضعف هذا الرأي أن قبيلة مثل تميم في ضخامتها وقوتها لايوجد لها شاعر بين شعراء المعلقات مع ماكان لشاعرها علقمة من قصائد جياد .

 

 يطرأ هنا أمر يجعلنا نكاد نجزم أن سبب تسمية المعلقات له علاقة بملوك المناذرة فثمانية من شعراء هذه المعلقات  كانوا على علاقة مباشرة بالمناذرة وهم امرؤ القيس الذي كان طريداً لهم ، والحارث بن حلزة وعمرو بن كلثوم  اللذين قالا معلقتهما بين يدي ملك المناذرة عمرو بن هند في قصة حرب البسوس التي كانت بين بكر وتغلب ، وطرفة الذي كان نديماً لعمرو بن هند وقُتِل بأمره،وعبيد بن الأبرص الذي كانت له قصة مع ملكهم المنذر بن ماء السماء وقيل أنه أتاه مادحاً يرجو ثوابه عدداً من المرات وكانت آخرها في يوم البؤس وكان ذلك -أي حضوره في يوم بؤس المنذر-سبباً في مقتله ، ولبيد بن ربيعة الذي كان يدخل عليهم مادحاً ونديماً وكذلك الأعشى، وأما علاقة النابغة بملكهم النعمان بن المنذر فهي أشهر مافي سيرة حياته ومعظم شعره كان في مدح النعمان أو الاعتذار إليه؛ ولم يتبق إذن إلا عنترة وزهير الذي كان ذكرهما بلاشك يصل إلى المناذرة عنترة لشعره وبطولته وزهير لأنه كان أعظم الشعراء الجاهليين على الإطلاق.

 

 

الصفحة الرئيسية                        صفحة البداية                           الموسوعة الشعرية